منتديات ســــميعة مصــــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات ســــميعة مصــــر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلالتسجيلدخول

 

 قراءة في الوقائع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
رفيع الشان
عضو متميز
عضو متميز
رفيع الشان


العمر : 34
عدد المشاركات 102

قراءة في الوقائع  Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في الوقائع    قراءة في الوقائع  Emptyالأربعاء أبريل 25, 2012 11:52 am

قراءة في وقائع مأساة
( سقوط الأندلس )

ليست قراءةُ التاريخ
والوقوفُ على حقائقه بدقة بالأمر الهين. وليس تحديد عوامل سقوط أمة أو
حضارةٍ شيئاً في متناول اليد؛ فالأمر في الحقيقة أشق بكثير مما نظن. ولا
تأتي صعوبة هذا الأمر من مدى إمكانية التحقق من حدوث الوقائع التاريخية
فحسب، ولكن من إمكانية قراءتها قراءة راشدة دقيقة؛ فالناس حين يقرؤون
التاريخ لا يقرؤونه على نحو مباشر، وإنما من خلال (إشكالية) كوّنوها
لأنفسهم، ولذا فإن تفسير الحقائق يتوقف إلى حد بعيد على المعتقدات والمبادئ
والخلفيات الثقافية للمفسرين. وهذا يعني أن علينا أن نرضى بموضوعية ناقصة
ونتائج نسبية الصواب. ومشكلة التاريخ أنه يتأبى على الخضوع للتجربة، فنحن
لا نستطيع أن نجزم هل لو أن أهل الأندلس لم يغرقوا في النعيم أو لم ينقسموا
على أنفسهم، أو لم يصيروا من الهجوم إلى الدفاع... هل كانت أعمار دولهم
ستطول أكثر مما كانت عليه؟
وذلك لأن أسباب السقوط عديدة، ولا نعرف على
وجه التحديد شكل النتائج إذا تخلَّف واحد منها.
وتدل شواهد الماضي
والحاضر على أن قراءة التاريخ عقيمة بالنسبة إلى السواد الأعظم من الناس،
حتى إن بعض الكتاب المسلمين والغربيين يرون أن أخذ العبرة من أحداث التاريخ
عبارة عن خرافة كبيرة. لكن هذا القول لا يخلو من المبالغة. والرؤية
الإسلامية في هذا الشأن واضحة فهناك فئة قليلة من الناس يتعظون بوقائع
التاريخ، ويأخذون منها العبرة، كما قال –جل وعلا-:"لقد كان في قصصهم عبرة
لأولي الألباب". وأولو الألباب المعنيون هم أولئك الذين استطاعوا الطفو فوق
أمواج الانحطاط والاحتفاظ بالرؤية المنهجية الصحيحة في وسطٍ يمور
باللاهثين خلف الشهوات والمصالح الضيقة.
إن الخيال الخصب ليغرينا بتعداد
الكثير من الأسباب التي أدَّت إلى خروج المسلمين من الأندلس، لكن ذلك لا
يتحصل منه كبير فائدة، كما لا تتحصل فائدة جيدة من قاعدة بلغت استثناءاتها
الثلاثين أو الأربعين، ولذا فإن من الأولى الاقتصار على أهم ما يراه المرء
من أسباب.
إن سقوط الأندلس يشكل مأساة كبرى، لأن سقوطها لم يكن سقوط
دولة، وإنما سقوط حضارة كان يمكن لها أن تكون نقطة انطلاق لتمدين العالم في
تلك الحقبة، كما أن سقوطها قلع شعباً مسلماً من جذوره وعرَّضه للضياع
الكامل؛ ومن هنا تأتي فرادة النكبة التي حلت بالإسلام والمسلمين في
الأندلس.
وقد رأيت هنا الاقتصار على ذكر خمسة أسباب جوهرية ساهمت في
حصول ما حصل، أسوقها موجزة في السطور الآتية:
1- إن التقدم العمراني
المذهل الذي حدث في الأندلس يدل على أن المسلمين هناك كانوا يمتلكون الكثير
من المعارف والعلوم والخبرات المتقدمة بالنسبة إلى ما كان سائداً في
محيطهم –على الأقل- وهذا ليس موضع جدال. لكن هل كل تقدم عمراني يعد تمدناً
وتحضراً، وهل من اللائق أن نقتصر على الدلالات المباشرة للإنجازات
الحضارية، أم لا بد من البحث عن دلالات أخرى قد تكون ذات شأن فيما نحن
بصدده؟
إن القرآن الكريم يعلمنا أنه ما من أمة من الأمم السابقة هلكت
بسبب قصور عمراني، وإنما بسبب الحيدة عن منهج الله –تعالى- واستدبار رسالات
الأنبياء –عليهم السلام-. وبناء الأبنية الفخمة في الأندلس قد تجاوز حدود
الخيال بسبب الأموال الهائلة التي أنفقت فيها، وكان ذلك مصادماً للبنية
العميقة للتدين الحق، ومخالفاً لكل الأدبيات التي تهوِّن من شأن الدنيا
وترغِّب في الآخرة. ولنا أن نسأل عن أعداد الفقراء الذين تم اقتطاع تكاليف
أشكال الرفاهية من قوتهم اليومي، ومن حصتهم من ناتج البلاد الأندلسية
وخيراتها؟!
لا ريب أن أعداداً ضخمة من الناس كانوا يشعرون بالظلم
والجور، وهذا من عوامل تفكيك المجتمع وذهاب الريح، وتعجيل الهزيمة. أضف إلى
كل هذا أن الرؤية الإسلامية للمنجزات العمرانية تلح دائماً على السياق
الذي تمت فيه والمقاصد التي دفعت إليها. ونستطيع أن نقرر هنا أن كثيراً من
الأبنية والمشروعات العمرانية، تمت في سياق التنافس في إثبات الذات والغلبة
على النظراء وسياق التفاخر والتكاثر، فهي بالتالي شواهد تراجع حضاري أكثر
منها أمارات نهوض وتقدم؛ فقصر الزهراء –مثلاً- والذي اشتغل فيه عشرة آلاف
رجل وثلاثون ألف دابة، والتي كانت سواريه –كما زعموا- من المرمر والحجر
الشفاف، وكانت رؤوسها مرصعة باللؤلؤ والياقوت، هذا القصر منسوب إلى الزهراء
حظية عبد الرحمن الناصر. إنه آية في الإتقان، والجمال لكن لا صلة له بتدين
أو رجولة أو إصلاح.
2- المال الذي تدفق على الأندلس من خلال غزوات
الفاتحين الأولين، ومن خيراته الذاتية، جعل إمكانية غرق أعداد كبيرة من
الناس في النعيم الواسع أمراً ميسوراً. وذلك النعيم مزَّق الوحدة الشعورية
العميقة لأفراد المجتمع، حيث إن فخامة القصور والمباني وكثرتها أتاحت لكثير
من أبناء النخبة والصفوة أن يشكلوا ثقافتهم الخاصة، وأن يصنعوا عالمهم
الخاص الذي يعج بالنساء والغلمان والخمور والمغنين وهناك لا يكون هَمُّ
إسلام ولا مستقبل ولا أندلس ولا أعداء!
وظل السواد الأعظم من الناس بين
متشوق إلى الحصول على مثل ذلك وباحث عن ثغرة للدخول إلى ذلك العالم، وبين
مهمَّش لا حول له ولا طول. وفي مثل هذه الوضعية يضيع الإحساس بشرف الانتماء
للوطن وتضيع الحماسة المطلوبة لمناهضة أعدائه، والدفاع عنه. وتعلمنا تجارب
الأمم وشواهد الأيام أن كل قضية يُعزل عنها السواد الأعظم من الناس هي
قضية خاسرة، وأن كل حمل يتم خارج رحم الأمة هو كالحمل الكاذب. وآنذاك يسهل
بيع الشعوب والمتاجرة بقضاياها ومصيرها من لدن حفنة من الخونة (والخيانة
فنون) الذين لا يجدون أي رادع يحول بينهم وبين ما يشتهون.
وترينا بعض
الوثائق أن الوزيرين أبا القاسم المليح ويوسف بين كماشة كانا عميلين
للأعداء، ومع ذلك فإنهما كانا يفاوضان عن المسلمين من قبل أبي عبد الله
الصغير آخر ملوك الأندلس. وقد ذكروا أن أبا القاسم المليح خاطب الملكين
الكاثوليكيين بقوله: أقسم بالله وبالشريعة أنني إذا استطعت أن أحمل غرناطة
على كتفي لحملتها إلى أصحاب الجلالة؛ وهذا برغبتي وليقض الله عليّ إذا كنت
كاذباً كما أتمنى أن ينتهي هذا الأمر (أي تسليم غرناطة للأسبان) على خير.
وأرجو أن تكونوا على يقين بأنني خادم شريف ومخلص لأصحاب الجلالة!!
3-
مما ذهب بريح الأندلسيين أنهم خربوا بأيديهم الأرضية المشتركة التي كانت
تمكنهم من تجاوز الانقسامات العنصرية والقبلية. وإن بقاء شوكة المسلمين في
الأندلس كان متوقفاً على اتخاذ الإسلام والالتزام بمبادئه وقيمه قاسماً
مشتركاً أعظم بين عناصرهم وقبائلهم المختلفة، وقد كان ذلك في بدايات وجودهم
هناك حيث كان القائد البربري أو العربي يقود جيشاً جراراً خليطاً من
البربر والعرب، وكانت مظلة الإسلام تتسع للجميع، وتغنيهم بالتالي عن
الاحتماء بالتنوعات العرقية. لكن لما ضعف الشعور بالوحدة الإسلامية ثارت
النعرات العنصرية والقبلية (كما حدث في المشرق تماماً) إلى حد يثير
الاشمئزاز، وقد بلغ الانقسام حداً دفع بعض ملوك وأمراء المسلمين أن يعقدوا
مع النصارى أحلافاً ومعاهدات ضد إخوانهم المسلمين، بل بلغ الانقسام إلى
درجة إرسال الكتائب لمساعدة الأسبان ضد بعض الإمارات الإسلامية، على نحو ما
حدث في سرقسطة في عهد ابن هود وما فعله أبو زيد ملك بلنسية وابن الأحمر في
غرناطة... بل إن النزاع بين المسلمين أخذ في بعض الأحيان شكل التصفيات
الشاملة، وعلى سبيل المثال فقد ولي محمد بن هشام أمر قرطبة عام 399 م وقد
رحَّب به أهل قرطبة، وأقاموا الولائم احتفاء بولايته؛ وقد كان الرجل يبغض
البربر بغضاً شديداً، فأمر أن يُنادى في الناس: من أتى برأس بربري فله كذا؛
فتسارع أهل قرطبة في قتل من قدروا عليه، ولم يبق تاجر ولا جندي إلا اجتهد
في القتل والنهب. وقد نُهبت ديار البربر وهُتكت حريمهم، وسبيت نساؤهم وبيعت
في السوق، وبُقرت بطون بعض الحوامل!!
مع هذا السلوك الإجرامي ومع هذه
الروح العنصرية لا يبقى أي شيء مقدس، كما لا يمكن للوحدة السياسية إلا أن
تكون في مهب الريح، وهذا ما حدث فقد تحللت الدولة الأموية هناك إلى اثنتين
وعشرين دولة، يحارب في كثير من الأحيان بعضها بعضًا ،ويبحث كل منها عن
مصالحه الخاصة والنجاة بنفسه.
وهكذا يثبت التاريخ المرة تلو المرة أن
العصبيات العنصرية والأنانيات الصارخة كانت تشكل دائماً معول هدم في جسد
الإمبراطورية الإسلامية في المغرب كما في المشرق على حد سواء.
4- كان
الوعي الأندلسي مرتبكاً؛ فهناك ما لا يحصى من الشواهد على أن التقدم
العمراني والرخاء في العيش في الأندلس كان يلازمه على نحو شبه مستمر انخفاض
في مستوى التدين والالتزام؛ وحتى لا نجور على القوم فإن الأندلسيين لم
يكونوا استثناء من القاعدة، فتاريخ الأديان في العالم كله ناطق –مع الأسف-
بهذه الحقيقة. أصيب الأندلسيون بمرض (الانهيار البطيء) حيث كانت صورة
التدين لديهم تبتعد رويداً رويداً عن جوهر التدين الحق، وصارت البيئة
العامة أشبه بحبل غليظ جُمعت خيوطه إلى بعضها خيطاً وراء خيط إلى أن استحال
قطعه، وصار أهل الإصلاح والصلاح والغيرة يشعرون باتساع الخرق عليهم. وقد
حاول بعض كبار علمائهم مثل المنذر بن سعيد البلوطي وابن حزم وابن عبد البر
وأبي الوليد الباجي قد حاولوا إيقاف التدهور، ورد طبقة الصفوة إلى سبيل
الرشاد، لكن الأمر كان أكبر منهم.
إن مشكلة المترفين أنهم كلما حصلوا
على درجة من درجات الترف شعروا أنها حق مكتسب لهم، وعدوا التنازل عنها
نوعاً من الفقر والعوز، وهكذا كان الأندلسيون عاجزين عن أن يخطوا خطوة
واحدة إلى الوراء، مع أن العدو يتحين الفرص للانقضاض عليهم، فأدركتهم أيام
الله.
قد انتشرت بينهم الذنوب والمعاصي، وصارت المبادئ السامية عبارة عن
شعارات فارغة لا توجه السلوك، بل تُتخذ للتزيين والتكميل الشكلي، وقد كان
ابن حزم يقسم بأن ملوك الطوائف لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم
لعبدوها! وانعدمت الغيرة الدينية لدى كثير من العامة، فصار إنكار المنكرات
من الأمور المنسية، وقد ذكر بعض المؤرخين أن رجلاً نصرانياً وقف في شارع
عام في قرطبة أيام ابن عبد الجبار، وشتم النبي –صلى الله عليه وسلم- بألفاظ
نابية، فلم يكلمه أحد من المسلمين بكلمة! وقد تحركت غيرة أحد المسلمين،
فقال مستنهضاً لمن حولـه: ألا تنكرون ما تسمعون! أما أنتم مسلمون؟ فقال
جماعة منهم: امض لشغلك!
وانتشرت في العديد من المدن الأندلسية أشياء
تخدش صفاء العقيدة، فقد كانت قرطاجة –كما وصف بعض المؤرخين- مملوءة بأقواس
من الحجارة المزخرفة بالصور والتماثيل وأشكال الناس وصور الحيوانات، مما
يدهش الأبصار.
إن كل شكل من أشكال المعصية موصولٌ على مستوى ما بشكل من
أشكال الهزيمة والانكسار، وهذا ما لم يكن واضحاً لدى القوم!
5- إن مصير
المسلمين في الأندلس كان مرتبطاً بالخطة التي ينتهجونها في التعامل مع
أعدائهم، وفي وضع كوضعهم كان الخيار الصحيح بالنسبة إليهم هو الاستمرار في
الجهاد حتى يوجهوا فائض القوة نحو الخارج، وحتى يحافظوا على وحدتهم
الداخلية، بالإضافة إلى أن ذلك يمكنهم من فتح خطوط متقدمة في أرض أعدائهم
حتى يتمكنوا من الحفاظ على أرضهم (كما فعل اليهود) وقد كان بإمكانهم فعل
ذلك؛ وربع الأموال التي أنفقت على أشكال الترف والسرف كان كافياً لتزويد
الحركة الجهادية بما تحتاجه من نفقات؛ لكن القوم ارتضوا لأنفسهم الخطة
الدفاعية في مواجهة عدو له عمق استراتيجي ضخم هو أوربا كلها. وليت القوم
أحسنوا الدفاع إذن لخرجوا بشيء ما، لكنهم كانوا طوائف وشيعاً فلم يستطيعوا
الوقوف صفاً واحداً، وقد كان حسم المواقف وتحديد الوجهة هو أهم ما ينقصهم،
كما هو شأن كل المخذولين.
إن المسلمين بإعراضهم عن الجهاد وإدامة الهجوم
وضعوا أنفسهم في وضعية المدافع المحاصر وقد قالت العرب قديماً: المحاصر لا
يأتي بخير. وعلى كل حال فدولهم الكثيرة التي كانت تتطاحن في مساحة محدودة
من الأرض –لم تكن مهيأة لأكثر مما فعلت، فقد كان بين معظمها وبين الحكم بما
أنزل الله –تعالى- فجوة كبيرة، وهي كما وصفها ابن حزم –رحمه الله- :"نظم
مستبدة مستهينة بالدماء مكثرة من أسباب الترف وضروب العمران واستجلاب
المنافقين من الكُتَّاب والوزراء والشعراء، وقد نشأ بينها من المفاسد ما
أعوز دفعه، واستحكم ضرره" .
كلما قرأت في تاريخ الأندلس السليبة تذكرت
صراعنا مع اليهود، وأبصرت من أسباب الهزيمة هنا ما أبصرته هناك! ولله الأمر
من قبل ومن بعد.
..................................................

عند
النقل نرجو ذكر المصدر

وهو منتديات :سمعة مصر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في الوقائع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فضل قراءة القرآن الكريم وتدبره
»  قراءة رائعة للشيخ عبد المنعم الطوخى اسمع وادعو لى
»  أنفراد:القارى سيد متولى عبد العال فى قراءة نادرة من باكستان
»  اروع قراءة لسورة يوسف من الكويت للشيخ محمود على البنا ابداااااع
»  قراءة روعة روعة روعة من سورة طه للشيخ عبدالباسط ((( صدى )))

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ســــميعة مصــــر :: الاقسام الاسلامية :: المنتدى العام الاسلامى-
انتقل الى:  


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified